التعليم في وطننا العربي بكامل مستوياته، الأساسي والثانوي والجامعي، هناك فجوة كبيرة للأسف بين الكثير من المدرسين والطلاب.. ليس في العلم، وإنما في التعامل والأسلوب والتقارب.. فالمدرس سواء كان في المرحلة الأساسية أو الثانوية أو الجامعية يرى نفسه الوصي على الطالب مهما كانت الأمور، حيث لا يمكن للطالب أن يتحدث أو يتخاطب أو حتى يبتسم لمدرّسه في قاعة الدراسة أو خارجها، لاعتقاده بأنها من "خروقات المروءة"، وبالمقابل يرى الطالب أستاذه بأنه كومة من صخر أصم، وقطعة من حجر قاس، لا يتمتع بأي شعور أو احساس أو قلب رقيق لين، وعليه فإن الطالب يظل بينه وبين أستاذه حاجزا حتى يتخرج من مرحلته، ثم بعدها وكأن شيئا من التعليم لم يكن. إذن.. ماذا يريد المدرس أو الاستاذ من طالبه وكيف يحب أن يراه، وماذا يريد الطالب من مدرسه أو استاذه وكيف يريده أن يكون؟
كلنا أو بعضنا مر بمرحلة المقاعد الدراسية أو صفة "الطالب" وكنت شخصيا في الحقيقة أحب وأتمنى أن أرى مدرسي وأستاذي يتحلى ببعض الصفات أو الأمور التي كنت أعتقد بأنها ستسهل عليّ وعلى زملائي الكثير من المسائل المعقدة، والتي يمكن بتعابير وجه مشرقة أو بإسلوب حواري رائع تتضح كل تفاصيلها وتعقيداتها وتهدم حاجزها المبني على أفكارنا في لحظة زمان. أعطيكم مثال.. ذات مرة أتى مدرس إلى طلبته وكان يدرسهم اللغة الإنجليزية، وفي ذات يوم استفزه طالب بتصرف طفولي في القاعة، فاستشاط المدرس غضبا وراح يتكلم بكل عنجهية وبلهجة قاسية معمما عقابه على كافة الطلبة، وفي مستعرض حديثه قال: "أتحدى أحدكم أن يجيب على أسئلتي في الاختبار أو حتى يشارك بشكل صحيح في القاعة من يوم غد".. تعقدت المادة بشكل كبير على كافة الطلبة لأن المدرس قد بنى حاجز التحدي ناسيا الفروقات العقلية والعلمية بينه وبين الطلاب، أيضا ناسيا بأن المدرس في أساسه مربيا وموجها قبل أن يكون عسكريا وديكتاتوريا، وفي نهاية العام رسب في المادة ما يقارب النصف من الطلاب لأنهم لم يفهموا شيء!!
الغريب في الأمر أن المادة ذاتها نجح فيها أغلب الطلاب في الدفعة التي تلتهم، لأن اسلوب المدرس اختلف كليا، وكان يعطيهم الأمان بوجه مبتسم يوميا، وأن المادة بسيطة جدا ولا يتطلب لفهمها إلا التركيز فحسب، ولذا فالطالب لا يريد من مدرسه أو استاذه سوى أسلوب محفز وطريقة خلاّقة في إيصال المعلومة، ووجه مشرق بشوش يشعره بأن مدرسه قدوة يحتذى بها في تلقي العلم والاستزادة بالمعرفة. وبالمقابل.. فالمدرس أو الأستاذ عندما يتواضع بالحديث مع طلابه ويشاركهم تدريبهم ومشاكلهم الدراسية لا يعني بأنه قد تنازل عن كافة حقوقه "الاحترامية"، فالمدرس والأستاذ يجب أن يبقى احترامه قائما بين كافة الطلبة وإن شاركهم أمر دراستهم وابتسم لهم، ولا يعد هذا ضعف منه أو تخاذل أو ترك منصبه كمدرس أو استاذ.. فهو يفعل ذلك لإيصال المعلومة، واعتقاده أن اسلوب المشاركة هو الاسلوب الأمثل لفهمها بشكل أفضل، ولذا يحب أن يرى من طلابه مهما كانت مشاركته وابتسامته معهم الاحترام والتقدير، والشعور بأنه ليس بطالب وإنما علما منيرا للطلاب يهتدون به أنّى كان.
هذا ما يريده طرفا العملية التعليمية عندنا في البلاد العربية.. فإذا تحقق اعتقد بأن نصف المنظومة التعليمية قد صلُح، والباقي يأتي تباعا.
عبدالله باخريصة، مُعيد في كلية الإعلام والصحافة
جامعة حضرموت
0 التعليقات:
إرسال تعليق