هل ينمي الكمبيوتر ذكاء الطفل أم يمنعه بالأحرى عن التفكير؟! سؤال لم تحسم الدراسات في أمره بعد، فهناك نظريات متباينة، تحث بعضها على إبعاد الكمبيوتر عن الأطفال، بينما تنصح أخرى بإعداد الطفل مبكرا لدخول عالم الرقمنة.
عندما يجري الحديث عن استعمال الأطفال للكمبيوتر تثور ثائرة مانفريد شبيتسار، أستاذ العلوم النفسية في جامعة أولم الألمانية الذي يرى أن العاب الكمبيوتر أو"بلاي ستيشن" تعيق التعلم لدى الأطفال، محذرا من أن "الأجيال القادمة ستكون متضررة بشكل كبير، لأن مراحل التعلم لديها أصيبت بخلل من جراء الوقت الطويل الذي قضته أمام الأجهزة الرقمية، خاصة في مراحل الطفولة". و يعلّل الخبير الألماني نظريته بالقول "إن الأجهزة تمنعنا من التفكير، علما أن التفكير هو الذي ينشِّط حركة الدماغ وينمي الذكاء". ويشبه شبيتسار الدماغ بالعضلات، فكلما خضعت العضلة إلى مجهود بدني بسيط، كلّما تقلص حجمها. والشيء ذاته يسري على الدماغ الذي يحتاج إلى تمارين متواصلة لرفع مستوى أداءه، فمن تعوّد على استعمال جهاز الملاحة للسيارات، فإنه سيواجه صعوبات جمة في الوصول إلى الوجهة المطلوبة من دون تلك الآلة بالاعتماد على حدسه الجغرافي فقط.
اضطرابات اللغة وعلامات ضعيفة في المدرسة
يحذر الخبير الألماني بقوة من استعمال الأطفال المبكر للكمبيوتر. وقد أفادت بعض الدراسات أن الأطفال إلى غاية سن الثالثة لا يتعلمون أي شيء من جهاز الكمبيوتر، بل بالعكس يصبحون مهددين بالتعرض إلى اضطرابات اللغة، فضلا عن أن استعمال الكمبيوتر كباقي الأجهزة الرقمية الأخرى يمنع البراعم الصغار من تنمية قدراتهم الفكرية. و أوضح الأستاذ الجامعي في حوار لموقع DW „عندما نقوم بإهداء أطفال في الصف الأول أو الثاني أو الثالث ألعابا رقمية، فإننا "نهديهم" أيضا علامات سيئة في المدرسة لاحقا. كذلك الشأن بالنسبة للشاب في الخامسة عشرة من العمر الذي يتوفر على جهاز كمبيوتر في غرفته، لأن ذلك يؤثر سلبا على نجاحه الدراسي".
غير أن شبيتسار بنظريته هذه، واجه انتقادات عديدة من قبل خبراء آخرين مثل شتيفان أوفنانغر،أستاذ التربية المعلوماتية الذي يرفض تبني نظرية أن "الكمبيوتر سيء" وأن كل شيء كان على ما يرام في فترة ما قبل الكمبيوتر". لكنه وفي الوقت ذاته يوافق شبيتسار أن جلوس الأطفال أمام شاشة الكمبيوتر والتلفزيون يسئ بشكل كبير إلى التطور الفكري السليم لدى الطفل، حتى وإن اعتقد بعض الآباء أن الاستعمال المبكر للكمبيوتر من شأنه أن يعزز فرص نجاح الطفل لاحقا في حياته العملية، و"هذا غير صحيح"، كما يقول أوفنانغر.
أساليب تعليمية جديدة
بيد أنه وعبر الاستعمال السليم للأجهزة الرقمية يمكن تطوير الأساليب التعليمية، "فالحاسوب مثلا يقدم عبر الصورة والصوت فرصة لتجريب أساليب تعليمية جديدة والتفكير فيها". وكأفضل مثال عن ذلك كما يقول الخبير في التربية الإعلامية يتمثل في "الألعاب التي توضح للأطفال أسس الحياة في المدينة، وذلك عبر صورة مبسطة عن آليات الاقتصاد والبنية الاجتماعية".
وفي هذا الإطار يحذر فاسيليوس فتيناكيس، مدير "ديداكتا"، وهو أكبر معرض أوروبي لتجارة الوسائل التعليمية (يعقد سنويا في ألمانيا)، من "شيطنة" الكمبيوتر، فحسب رأيه لم تقدم الدراسات بعد "أي دليل قاطع عن أن الأجهزة الرقمية سيئة من حيث المبدأ، لأنها لا تهدد النمو الفكري للطفل، إلا عندما يُعرض على الأخير مواد لا تناسب عمره". وهنا تقع المسؤولية حسب فيتيناكس و أوفنانغر أولا على عاتق الآباء، ثم على الجهاز التعليمي المطالب هو الآخر بإعداد الطفل بشكل مبكر للتعامل مع الأجهزة الرقمية عوض تقديمها بصورة سيئة للأطفال". وفي حال اكتشف الآباء أن أطفالهم يقضون أوقتا طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر، فعليهم الحديث معهم حول الموضوع، بدلا من انتزاع الأجهزة من غرفتهم، ومن هذا المنظار يقول مدير معرض "ديداكتا" إن "لغة التحريم عادة ما تؤدي إلى نتائج عكسية، ومن ثمّ لا طائل من الالتجاء إليها".
آرند ريكمان/ وفاق بنكيران
0 التعليقات:
إرسال تعليق