محرك بحث متخصص في تكنولوجيا التعليم

طفلك الموهوب ليس قنبلة موقوتة
 
معتز شاهين

 ما خطى قلم على ورقة ، ولا ضربت ريشة على لوحة ؛ فجعلت من صاحبها مبدع إلا ومن وراءه أب أو أم يدعمونه ، فجروا تلك الطاقة الكامنة في نفسه منذ الصغر ..
 فالموهبة كالنبتة أو البرعم الصغير الذي يجب تناوله بالرعاية والسقاية وإلا هلكت !!
فلقد أثبتت الدراسات الحديثة أن نسبة المبدعين من الأطفال من سن الولادة حتى سن الخامسة تصل إلى 90% منهم ، وعندما ما يصل هؤلاء الأطفال إلى سن السابعة تقل تلك النسبة لتصل إلى 10% ،
وما أن يصلوا إلى الثامنة حتى تحط الموهبة رحالها على .02% منهم فقط .
وهذا دليل واضح على أن مدى نجاح أنظمة التربية والتعليم لدينا ، والأعراف الاجتماعية ، والعادات الأسرية في طمس معالم الموهبة لدى أطفالنا ، وإجهاض أحلامهم وأمالهم على صخور واقع مجتمع لا يعرف كيف يتعامل مع نخبته القادمة ،
 فهو لا يعرفهم إلا متمردون على نظمه وعاداته ، ويجب أن يخضعوا ولو بالقوة .. ونسى ذلك المجتمع أو تناسى أنه على يد أمثال هؤلاء قامت حضارات ؛ وبضياعهم هدمت أخرى .
ومما لاشك فيه أن أي أب أو أم يحب لأبنائه التميز والإبداع .. ولكن [ المحبة شئ ، والإرادة شئ آخر ] ،
فلكي نمهد لأطفالنا سبل الرعاية ونحثهم على بذل الجهد والتقدم نحو الأفضل ، يجب علينا التعرف على طاقتهم ودراستها محاولة لفهمها وتوجيهها.
ومن خلال نقاط البحث التالية سنحاول توضيح عدد من النقاط المهمة حول الموهوبين ...
أولاً : ما هي الموهبة ؟
الموهبة تعني " قدرة استثنائية أو استعدادًا فطريًا غير عادي لدى الفرد ، وقد تكون تلك القدرة موروثة أو مكتسبة سواء أكانت قدرة عقلية أم قدرة بدنية "
ثانيًا : كيف اكتشف أن ابني موهوب؟
تعتبر الأسرة المحضن الأول والرئيسي للطفل في بداية سني حياته ، إذ يقع على عاتق الأسرة مسئولية اكتشاف ورعاية وتنمية مواهب أبنائها ..
ولكن في معظم الأحوال تعجز الأسرة عن القيام بواجبها هذا بسبب أما نقص عوامل الخبرة وقلة التدريب ، أو عدم توافر معلومات كافية حول مواهب الأبناء وطرق التعامل معها .
أما عن طرق الكشف عن الموهوبين ؛ فهي متعددة منها ما هو أكاديمي عن طريق محكات واختبارات علمية مقننة ، ومنها ما هو عام ولكنه يستند إلى نظريات ودراسات علمية ..
 وهذا ما سيستخدمه الوالدين للتعرف على مواهب أبنائهم . فالدراسات الحديثة أجمعت على الرغم من اختلاف نتائجها النهائية ؛ على أنه يوجد خصائص عامة وسمات للموهوبين يمكن من خلالها التعرف عليهم وتمييزهم عن العاديين ..
ويمكن تقسيم تلك الخصائص إلى ثلاث مجموعات رئيسية من الخصائص ، وهي كالتالي :
أ- خصائص جسمية :
إن مستوى النمو الجسمي والصحة العامة للموهوبين يفوق المستوى العادي ، فالموهوبين يستطيعون بشكل عام المشي والتكلم في سن أبكر مما هو عند العاديين . وهو بشكل يميلون إلى أن يكونوا :-
• أقوى جسمًا ، وصحة ، ويتغذى جيدًا.
• متقدم قليلاً عن أقرانه في نمو العظام.
• نضجه الجسمي يتم مبكرًا – بالنسبة لسنه - .
ب- خصائص عقلية ومعرفية :
أهم ما يميز الطفل الموهوب عن غيره من الأطفال العاديين يكمن في خصائصه وقدراته العقلية .. فالطفل الموهوب أسرع في نموه العقلي عن غيره من الأطفال العاديين ، وعمره العقلي أكبر من عمره الزمني ....
ويمكن إجمال أهم سمات الموهوبين العقلية في النقاط التالية :-
• قوي الذاكرة ، ومحب للاستطلاع.
• يقظ ؛ ولديه قدرة فائقة على الملاحظة .
• سريع الاستجابة .
• لديه قدرة عالية على إدراك العلاقات السببية في سن مبكر.
• يميل إلى ألعاب الحل والتركيب ؛ واختراع وسائل لعب جديدة لألعاب قديمة ومعروفة لديه.
• لديه قدرة فائقة على الاستدلال والتعميم وفهم المعاني والتفكير بمنطقية.
• السن المبكر في تعلى القراءة .
• ميلهم غير العادي للقراءة.
• حصيلة لغوية كبيرة ، وتزداد قدرته على استخدام الجمل التامة في سن مبكر للتعبير عن أفكاره ومشاعره .
جـ - خصائص نفسية واجتماعية :-
أكدت الكثير من الدراسات على أن الطفل الموهوب أكثر حساسية ؛ ورغم ذلك فإنه أكثر شعبية من الطفل العادي ، ولديه قدرة أكبر على تكوين علاقات اجتماعية مع غيرهم ، وهم أيضًا يفوقوا العاديين في تكيفهم مع البيئة ...
وبمقارنة الطفل الموهوب بغيره من العاديين نجد أنه يميل لأن يتميز بالخصائص التالية :-
• له صفات شخصية سامية ( أكثر دماثة ، مطيع – مع استقلالية - ، مطيع ، اكثر انسجامًا مع الآخرين )
• يتميز بقدرة عالية على نقد الذات .
• يميل لاتخاذ دور القائد في الجماعة ( قيادي ).
• يفضل الألعاب ذات القواعد والقوانين المعقدة والتي تتطلب مستوى عال من التفكير .
• يميل إلى تكوين علاقات صداقة مع أقران أكبر منه سنًا سنتين أو ثلاث على أكثر – لأنهم يتساوون مهم في العمر العقلي - .
ليست كل تلك الخصائص والسمات إلا علامات يرسلها الله – عز وجل – إلى كل أب وأم ، قائلاً لهما من خلالها أنكم مؤتمنون على تلك الوديعة ، وستسألون عنها ..
 فإلى كل أب وأم يقرأ (( هيا نكتشف طرق تنمية أمانتك!! )).
ثالثًا : مشكلات الموهوبين داخل أسرهم
يمكن إجمال أهم تلك المشكلات في النقاط التالية :
التفرقة في معاملة الأولاد مما يؤدي إلى الكراهية الشديدة بينهم ، والشعور بالإحباط وعدم وجود حالة من الهدوء والأمن النفسي ، والخوف من فقدان حب الوالدين ..
وهذا يعتبر معوق خطير يقف أمام إظهار الطفل الموهوب لطاقته وقدراته الكامنة.
عدم فهم الوالدين لطبيعة الطفل الموهوب ، فالطفل الذكي يتذمر من القيود والقوانين والأوامر الصارمة ويعتبرها عائقًا تحول دون انطلاقه ..
لهذا يجب توفير قدر من المرونة والحرية في تحركات الطفل وأفعاله لكي يستطيع التنفيس عن انفعالاته وأفكاره.
الطفل الموهوب ذو قدرات عالية ، وقد يقوم بالتخريب لا حبًا في التخريب وإنما لأن طبيعة تحب الاستطلاع والتجريب ..
لذلك يجب إبعاد المثيرات المؤذية عنه ، مع إيجاد بديل ليمارس نشاطه ويجري تجاربه في مكان مخصص للعبه ومكتشفاته .....
على سبيل المثال يريد طفلك استكشاف [ المطبخ ] وما يحتويه من أشياء والأم لا تريد منه ذلك حتى لا يؤذي نفسه ويتعرض للخطر ، لذا نقول للأم تدخل معه المطبخ وتعرفه على الأشياء ومسمياتها ووظيفتها – بطريقة مبسطة- ،
 فتقول مثلاً : هذا سكر ، وهذا ملح .. وليذقهما ، وإذا أراد الطفل اللعب بالسكين ونحوه تحضر له الأم سكينًا بلاستيكيًا وتجعله يقطع بعض الخضراوات ويأكلها !!
أما ماذا سيحدث إذا منعت الأم الطفل من دخول المطبخ ؛ سيزيد هذا المنع الطفل إصرارًا وعنادًا على الدخول ، وقد يتعرض ساعتها للأذى وهو بعيد عن نظر أمه..
يجب على الوالدين الأخذ في الاعتبار أن الموهوبين يتصفون بشدة الحساسية ، فقد تؤثر فيهم كلمة بسيطة فيفعلوا الأفاعيل ، أو كلمة لوم بسيطة ولكن قاسية ؛ تقعدهم وتفتر من عزيمتهم.
إذا فالطفل الموهوب + تلك المشكلات = قنبلة موقوتة على شفا الانفجار ؛ ويجب نزع فتيلها . وهذا واجب على أفراد الأسرة كلهم لا الأب والأم فقط ..
 فاحتواء الموهوب انفعاليًا وفكريًا مع إتاحة الفرصة له لتنمية نفسه حسب قدراته ، يساعده على فهم قدراته وتوجيهها لحل مشكلات الحياة التي ستقابله في المستقبل.
رابعًا : رعاية الموهوب
الإسلام والموهبة:-
نظر الإسلام للموهبة على أنها عطية ونعمة من الله يجب على المسلم أن يؤدي شكرها ؛ ومن هنا ظهرت كفاءات ومواهب سامقة في تاريخ أمتنا المجيد ، أنارت فاهتدت وهدت .
وإذا دققنا النظر في تاريخ الأمم والحضارات لم نجد أمة ظهرت فيها كل تلك المواهب والقمم مثل أمة الإسلام.
فلقد وجد الموهوبون في ظل دولة الإسلام أرضًا خصبة لنمو إبداعهم ، وقد كان الرسول  صلى الله عليه وسلم  أصفى الناس بصيرة ، فاستخرج مكنونات وذخائر أصحابه – رضي الله عنهم - ،
 كلاً على قدر طاقاته واستعداده وميوله .
فلولا تربية الرسول صلى الله عليه وسلم  تلك ما ظهر صدق الصديق ، ولا عدل الفاروق ، ولا حياء عثمان ، ولا شجاعة علي ، ولا حكمة أبي الدرداء ، ولا دهاء عمرو بن العاص – رضي الله عنهم أجمعين - ، وما كان ليظهر هذا الجيل المتفرد إلا برعاية تفجر الطاقات وتعلو بالهمم .. ولله در القائل :
أئمة شرف الله الوجود بهم ساموا العلا فسموا فوق العلا رُتبًا
فهاهو الرسول  صلى الله عليه وسلم  يرعى موهبة الأطفال ، ويحملهم المسئوليات الثقال التي ينؤ بحملها مائة رجل من رجال اليوم – كل حسب طاقاته - .
فعلي  رضي الله عنه  ينام في فراشه  صلى الله عليه وسلم  ليلة الهجرة ، ويولي أسامة بن زيد  رضي الله عنه  جيشًا فيه أبو بكر وعمر وعثمان جنودًا ، ويثق في قوة حفظ زيد بن ثابت  رضي الله عنه
 فيأمره بتعلم العبرانية والسريانية فيتعلمهما في أقل من 17 يوم .
أما عن الموهوبات فلقد ذخر الإسلام بهن .. فهاهي " حفصة بنت سيرين " تحفظ كتاب الله وهي ابنة اثنتي عشرة سنة وتفهمه تفسيرًا ، وكان أبن سيرين إذا أشكل عليه شئ من القرآن
 يقول : اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ؟!
وكان المجتمع الإسلامي يهيئ فرصًَا متكافئة لكافة طوائف المجتمع وطبقته ؛ فلا فرق بين مولى وسيد ، فشمل الإسلام بعدله جميع الناس وارتفع بمكانة الإنسان ، وأفاد من جميع الطاقات والملكات .. ف
انظر إلى مكانة " نافع مولى ابن عمر "  رضي الله عنه  والذي قال عنه البخاري : أصح الأسانيد .. مالك عن نافع عن ابن عمر [ سلسلة الذهب ] .... وانظر إلى منزلة " عكرمة مولى ابن عباس " 
رضي الله عنه  الذي اعتقه وأذن له بالفتيا بعد أن انتهى إليه علم التفسير عنه ، وأخذ من علمه سبعون أو يزيدون من أجلاء فقهاء التابعين .
ومن واقع نظرة الإسلام ؛ والواقع الذي تجسدت فيه النظريات التربوية الحديثة ، وجب على الوالدين الاهتمام بالموهوبين ، حتى ترجع لحضارتنا وأمتنا رونقها وبهاءها الذي تاه وذاب وسط حضارات الآخرين .
لمحات تربوية في رعاية الموهوبين :-
ويمكن إجمالها في النقاط التالية :
(1) التركيز :
قد يظهر عند الطفل الموهوب أكثر من موهبة ، لذا يجب على الوالدين التركيز على الموهبة الأهم والأولى ، وما يميل إليه الطفل اكثر لتفعيله وتنشيطه.
(2) اللحظات الغالية :
اجعل لطفلك لحظات ينفرد فيها بنفسه ليبدع ويكتشف ، واختر لذلك مكانًا هادئًا بعيدًا عن باقي أفراد الأسرة ..
أما عن التلفاز فهو من الأشياء التي يصعب معها توفير مثل تلك اللحظات الغالية ، فهو عامل جذب خطير للانتباه ؛ ولحل تلك المعضلة يجب تحديد الأوقات والبرامج التي يشاهدها الطفل وعدم السماح بغيرها.
(3) قاتل المواهب :
الموهبة ليس لها مكان أو وجود معه ؛ فهما لا يعيشان في جسد واحد ، فإذا سكن أحدهما الجسد هرب الآخر .. أنه [ الخوف ] العدو اللدود للموهبة والإبداع .
فكيف لطفل يستهزئ والده منه ، ويسفه من آرائه ، ويحط من قدراته ؛ أن يبدع ويطور من إمكاناته . لذا يجب على الوالدين إشعار الطفل بالأمان عندما يعبر عن أفكاره ومشاعره ،
وكما يقول " كارل روجرز " : [ إن الطفل يحتاج إلى الأمان النفسي للتعبير عن أفكاره بأساليب جديدة وتلقائية ].
(4) جسور الثقة :
على الوالدين أن يشعروا الطفل الموهوب بكيانه ويُدعما ثقته بنفسه ، ويمكن لذلك أن يتحقق بعدة طرق مثل : أن يسمح الوالدين له بالتخطيط لبعض أعماله ( يريد الذهاب إلى الحديقة أو البقاء في المنزل للعب ..) ،
كما يتركاه يخطط لبعض أعمال الأسرة البسيطة وينفذها ( ما الذي نحتاج لشرائه من السوق ؟ وينزل هو ليشتريه / أو العناية بأخيه الصغير ) ..
فإتاحة الفرصة لاتخاذ القرارات تجعله يشعر بمدى أهمية وقيمة تفكيره ، وكذلك تساعده على إدراك عواقب تلك القرارات . 

المعلمة آلاء مختصة صعوبات قرائية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top