يتفق الفيلم التسجيلي كثيرا مع البحث العلمي في كثير من الخطوات حيث يقوم على فكرة محدودة أو ما يمكن أن نطلق عليه مشكلة يحدد لها المخرج عنوانا يمثل اسم الفيلم و يخاطب العقل أساسا ، و يعتمد في ذلك على تقديم المعلومات و البراهين و الأدلة ، و قد ينفذ بعد ذلك إلى العاطفة و يتسم بالوضوح و التوجه إلى جمهور مستهدف لتحقيق هدف محدد له بداية و له نهاية و التي قد تتمثل في طرح مزيد من الاستفسارات لأفلام أخرى .
السيناريو : هو وصف الحركة السينمائية على الورق ، فهو و ثيقة مكتوبة بدقة تصف المناظر منظرا منظرا مع تفاصيل الصوت المصاحب للفيلم ، و يشتمل السيناريو على قسمين هما:
( أ ) القسم الأول : الحركة و المشاهد .
( ب) القسم الثاني : الكلام المصاحب للحركة و المشاهد .
وفي الفيلم التسجيلي نتعامل مع العالم الحقيقي الذي حولنا ؛ و لذلك لا يستطيع كاتب السيناريو أن يكون دقيقا في كتابته ، حيث إن هناك بعض الأفلام التي يضطر فيها المخرج إلى التخلي عن السيناريو بشكله التفصيلي و يستبدله بسيناريو نظري مبدئي يحوي مجرد خطة للتصوير منظمة و مرتبة .
و في هذا الصدد يقول هوف بادلي HUGH Baddeley :
(( إن السيناريو في الفيلم التسجيلي لا يمكن أن يكون - دائما - دقيقا تفصيليا ، لأنه يجب أن يسمح للمخرج و للمصور بقدر من حرية العمل للتعامل مع الأشياء غير المتوقعة و التي لا يمكن التحكم فيها )) .
من أفضل الأمثله على ذلك ما فعله بارلورنتز Pare Lorentz في فيلمه النهر ، فيقال أنه عندما رأى نهر المسيسبي ألقى بالسيناريو الذي كان قد كتبه ، فقد بدا له النهر كئيبا لا طرافة فيه ، مجرد مجرى كبير من المياه الداكنة يجري بينه شطئان رتيبة خالية مما يلفت النظر ، و حينئذ تبين أن موضوع الفيلم لا ينبغي أن يكون النهر ذاته ، بل الناس الذين يعيشون على جانبيه و ما فعلوه بالنهر و ما فعله بهم .
و من هنا يتضح أن الفيلم التسجيلي ليس له سيناريو دقيق و محكم - في أغلب الأحيان - لأنه في تعامله مع الواقع تظهر و تستجد أشياء غير متوقعة و لا يمكن التحكم فيها ، لذلك قد يضطر صانع الفيلم التسجيلي إلى التخلي عن السيناريو بشكله التفصيلي و استبداله بسيناريو نظري يحوي مجرد خطة للتصوير .
و في الأفلام التسجيلية في أغلب الأحيان نجد عن بداية كتابة السيناريو بعض الاحتمالات التي تترك بدون تحديد نهائي حتى وقت التصوير، و هذا الأسلوب لا يظهر انخفاض مستوى المخرج و الذي هو في الغالب كاتب السيناريو أو صاحب الفكرة و لكنه مرتبط بخصائص المجال الفني للعمل التسجيلي و أهدافه و فلسفته. و لا يعني ذلك التخلي النهائي عن السيناريو المبدئي أو ما يمكن أن نطلق عليه التصوير المقترح لسير العمل في ضوء الهدف المطلوب حيث إنه إذا تخلي المخرج في الفيلم التسجيلي عن السيناريو تماما و عن التفكير و التحديد النسبي المسبق حيث يجد نفسه هو و الكاميرا أمام كل العناصر منشقة و غير منظمة لأن الحياة الواقعية الحقيقية أكثر اتساعا بحيث لا يمكن أن يختار منها صور بدون ترتيب سابق و اختيار منظم . و في نفس الوقت لا يمكن أن تحدد بدقة شديدة كل لقطة يقوم بها المخرج أو المصور بتسجيلها مثلما يحدث في الفيلم الروائي .
نوعيات السيناريو في الفيلم التسجيلي :
ينقسم السيناريو في الفيلم التسجيلي :
1- السيناريو النظري :
و هو الذي يعرض في سلاسة الأحداث و الحقائق التي يجب أن تصور لكي تعطي المعنى الذي يعبر عن الفكرة الأساسية و في هذا النوع من السيناريو نجد الخطوط العامة للفيلم بدون تحديد دقيق لأحجام اللقطات أو زوايا الكاميرا أو الحركة التي سوف تسجلها الكاميرا ، و لكن يترك صانع الفيلم هذه التفاصيل لوقت التصوير حتى يستطيع أن يساير أية تغييرات يمكن أن تطرأ على المكان الذي يصور فيه الفيلم . فالسيناريو النظري عليه أن يعبر عن الفكرة الفنية للعمل من خلال بعض الصور الوصفية البسيطة .
2- السيناريو التفصيلي :
في هذه الحالة يكون السيناريو عبارة عن نموذج مصغر للفيلم ، و يحدد مكان و زمان الأحداث ، و أحيانا أطوال اللقطات حتى يستطيع صانع الفيلم أن يشعر مقدما بالرتم و الإيقاع اللذين سوف يحصل عليهما بعد اتمام عملية المونتاج ، كذلك يستطيع تحديد نوعية الموسيقي ( او المؤثرات الصوتية - المعد - ) و زوايا اللقطات و أحجامها فهو يعطي تخيلا تاما عن الفيلم التسجيلي بالكامل على مستوى عنصري الصورة و الصوت .
خطوات إعداد سيناريو الفيلم التسجيلي :
و يمر سيناريو الفيلم التسجيلي بعدة خطوات على النحو التالي :
- إعداد المعالجة the preparation of treatment
- البحث و الدراسة carrying out of research
- كتابة السيناريو التنفيذي the writing of the shooting script
ونعرض فيما يلي لكل خطوة تفصيلا:
أولا : إعداد المعالجة :
هذه المرحلة أو الخطوة الأولى عبارة عن شرح و توضيح للفكرة الأساسية التي يدور حولها الفيلم . و الفكرة الأساسية في الفيلم هي خاطر فني، و من الناحية النظرية يمكن استخدام أي خاطر من الخواطر الإنسانية كفكرة أساسية لأي فيلم .
و الفكرة الأساسية لابد أن تتسم بالوضوح التام ، لأنه إذا كانت الفكرة محور السيناريو غامضة أو غير محددة ، فإن ذلك يؤدي إلى فشل السيناريو ، و عندما يتحول السيناريو الغامض إلى صور تعرض على الشاشة فإن الأمر يختلط على المتفرج مما يثير ضيقه الشديد
و في مرحلة الإعداد للمعالجة لابد أن يضع صانع الفيلم عدة نقاط في الاعتبار مثل أسلوب تقديم الفيلم ، و هل يحتوي على ديالوج منطوق أو على تعليق أو على كليهما . و هل الموسيقى ( او المؤثرات الصوتية - المعد - ) ستكون مكونا أساسيا في الفيلم ، و هل سيستخدم في تقديم الفيلم أسلوب الحقيقة أم ستعالج المادة في قالب درامي .
و في هذه المرحلة لابد من الإجابة على عدة أسئلة :
1- ما هو الهدف من الفيلم ؟
2- من هو الجمهور المستهدف ؟
3- ما خصائص الجمهور المستهدف و ما موقفه من الموضوع المطروح ؟